فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ولي الدين التبريزي في [مشكاة المصابيح] في (الفصل الثالث عشر) من (باب الجماعة وفضلها): وعن بلال بن عبد الله بن عُمَر عن أبيه قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنِ الْمَسَاجِدِ. إِذَا اسْتَأْذَنُوكُمْ»، فقال بلال: والله! لنمنعهن، فقال عبد الله: أقول: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وتقول أنت: لنمنعهن؟ (وفي رواية سالم عن أبيه) قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبًّا ما سمعت سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وتقول: والله! لنمنعهن.
رواه مسلم، وعن مجاهد عن عبد الله بن عُمَر أن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «لا يمنعن رجل أهله أن يأتوا المساجد»، فقال ابنٌ لعبد الله بن عُمَر: فإنا نمنعهن، فقال عبد الله أحدثك عن رسول الله وتقول هذا؟ قال فما كلمه عبد الله حتى مات، رواه الإمام أحمد.
وقال الطيبي شارح [المشكاة]: عجبت ممن سمي بالسني، إذا سمع من سنة رسول الله وله رأي، راجح رأيه عليها، وأي فرق بينه وبين المبتدع؟ أما سمع: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» وها هو ابن عمر، وهو من أكابر الصحابة وفقهائها، كيف غضب لله ورسوله وهجر فلذة كبده لتلك الهنة، عبرة لأولي الألباب.
وروى الإمام مسلم في [صحيحه] في (كراهة الخذف) قبيل (كتاب الأضاحي)، عن سعيد بن جبير أن قريبًا لعبد الله بن مُغَفَّل حذف، قال فنهاه وقال: إن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم نهى عن الخذف، وقال: «إنها لا تصيد صيدًا ولا تنكأ عدوًا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ»، فقال فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم نهى عنه ثم تخذف، لا أكلمك أبدًا.
قال النووي: فيه جواز هجران أهل البدع والفسوق، وأنه يجوز هجرانهم دائمًا، فالنهي عنه فوق ثلاثة أيام إنما هو في هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما هجر أهل البدع، فيجوز على الدوام، كما يدل عليه هذا مع نظائر له، لحديث كعب بن مالك.
قال السيوطيّ: وقد ألفت مؤلفًا سميته الزجر بالهجر لأني كثير الملازمة لهذه السنة.
أقول: حديث الخذف ساقه الحافظ الدارمي في [سننه] تحت باب (تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم حديثه فلم يعظمه ولم يوقره) ورواه من طرق متنوعة، وفي بعضها: أحدثك أني سمعت رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ينهى عن الخذف ثم تخذف؟ والله! لا أشهد لك جنازة ولا أعودك في مرض ولا أكلمك أبدًا.
وأسند الدارمي في هذا الباب عن قتادة عن ابن سيرين؛ أنه حدث رجلًا بحديث عن الني صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فقال رجل: قال فلان وفلان: كذا وكذا! فقال ابن سيرين: أحدثك عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وتقول: قال فلان وفلان؟ لا أكلمك أبدًا، وأسند أيضًا فيه عن عبد الرحمن بن حرملة قال: جاء رجل إلى سعيد بن المسيب يودعه بحج أو عَمْرة، فقال له: لا تبرح حتى تصلي، فإن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال لا يخرج بعد النداء من المسجد إلا منافق، إلا رجل أخرجته حاجة وهو يريد الرجعة إلى المسجد، فقال: إن أصحابي بالحرة، قال فخرج، قال: فلم يزل سعيد يولع بذكره حتى أخبر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه.
وذكر الدرامي رَضِي اللّهُ عَنْهُ قبل هذا الباب (باب ما يتّقى من تفسير حديث النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وقول غيره عند قوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم) وأسند عن معتمر عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: أما تخافون أن تعذبوا أو يخسف بكم أن تقولوا: قال رسول الله، وقال فلان.
قال الإمام شمس الدين بن القيم في [إعلام الموقعين]: ترى كثيرًا من الناس إذا جاء الحديث يوافق قول من قلده، وقد خالفه راويه يقول: الحجة فيما روى لا في قوله، فإذا جاء قول الراوي موافقًا لقول من قلده، والحديث يخالفه قال: لم يكن الراوي يخالف ما رواه وإلا وقد صح عنده نسخه، وإلا كان قدحًا في عدالته، فيجمعون في كلامهم بين هذا وهذا، بل قد رأينا ذلك في الباب الواحد، وهذا من أقبح التناقض، والذي ندين الله به، ولا يسعنا غيره، أن الحديث إذا صح عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه، أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنًا من كان، لا رواية ولا غيره: إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ولا يحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو أن يتأول فيه تأويلًا مرجوحًا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضًا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدّر انتقاء ذلك كله، ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه، لم يكن الراوي معصومًا، ولم توجب مخالفته، لما رواه، سقوط عدالته، حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك.
وقال الفلاني رحمه الله تعالى في الإيقاظ قال عثمان بن عُمَر: جاء رجل إلى مالك بن أنس فسأله عن مسألة فقال له: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم كذا وكذا، فقال الرجل: أرأيت؟ فقال مالك: {فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال مالك: لم تكن من فتيا الناس أن يقال لهم: لم قلت هذا؟ كانوا يكتفون بالرواية ويرضون بها.
قال الجنيد رَضِي اللّهُ عَنْهُ: الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (فتوى له) قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى افترض على العباد طاعته وطاعة رسوله، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه، في كل ما أمر به ونهى عنه، إلا رسوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، حتى كان صديق الأمة وأفضلها بعد نبيها صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ورضي عنه يقول: أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصومًا في كل ما أمر به ونهى عنه إلا رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وهؤلاء الأئمة الأربعة قد نهو الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه، وذلك هو الواجب، وقال أبو حنيفة: هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه، ولهذا لما اجتمع أفضل أصحابه، أبو يوسف بإمام دار الهجرة، مالك بن أنس وسأله عن مسألة الصاع، وصدقة الخضروات، ومسألة الأحباس، فأخبره مالك رَضِي اللّهُ عَنْهُ بما دلت عليه السنة في ذلك، فقال: رجعت لقولك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت.
ومالك رحمه الله كان يقول: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة: أو كلام هذا معناه.
والشافعي رحمه الله كان يقول: إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على طريق فهي قولي.
ثم قال ابن تيمية: وإذا قيل لهذا المستفني المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني؟ كانت هذه معارضة فاسدة، لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة، ولست من هذا ولا من هذا، ولكن نسبه هؤلاء الأئمة إلى نسبة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وأبن مسعود وأُبي ومعاذ ونحوهم إلى الأئمة وغيرهم، فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع، فإذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله وإلى رسوله، وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع آخر، وكذلك موارد النزاع بين الأئمة، وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في مسألة تيمم الجنب، وأخذوا بقول أبي موسى الأشعري رَضِي اللّهُ عَنْهُ وغيره، لما احتج بالكتاب والسنة، وتركوا قول عمر رَضِي اللّهُ عَنْهُ في دية الأصابع، وأخذوا بقول معاوية بن أبي سفيان، لما كان من السنة أن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «هذه وهذه سواء»، وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس رضي الله عنهما في المتعة، فقال له: قال أبو بكر وعمر، فقال ابن عباس: يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما، لما سألوه عنها، فأمر بها فارضوه بقول عمر، فبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه، فألحوا عليه فقال لهم، أرسول الله أحق أن يتبع أم عمر؟ مع علم الناس بأن أبا بكر وعمر أعلم من ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ولو فتح هذا الباب لأوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله، وبقي كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي في أمته، وهذا تبديل للدين وشبيه بما عاب الله به النصارى في قوله: {اتّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ وَالمسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، والله سبحانه أعلم. انتهى.
وقال الإمام ابن القيم في خطبة [زاد المعاد]: فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة، وقد أقسم صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بأن لا يؤمن أحد حتى يكون هو أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وأقسم سبحانه بأنه لا يؤمن من لم يحكمه في كل ما تنازعه فيه هو وغيره، ثم يرضى بحكمه، ولا يجد في نفسه حرجًا مما حكم به، ثم يسلم له تسليمًا، وينقاد له انقيادًا، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لمؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: من الآية 36]، فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله، فليس لمؤمن أن يختار شيئًا بعد أمره صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، بل إذا أمر فأمره حتم، وإنما الخيرة في قوله غيره، إذا خفي أمره، وكان ذلك الغير من أهل العلم به وبسنته، فبهذه الشروط يكون قول غيره سائغ الاتباع، لا واجب الاتباع، فلا يجب على أحد اتباع قول أحد سواه، بل غايته أنه يسوغ له اتباعه، ولو ترك الأخذ بقول غيره، لم يكن عاصيًا لله ورسوله، فأين هذا ممن يجب على جميع المكلفين اتباعه، ويحرم عليهم مخالفته، ويجب عليهم ترك كل قول لقوله، فلا حكم لأحد معه، ولا قول لأحد معه، كما لا تشريع لأحد معه، وكل حي سواه، فإنما يجب اتباعه على قوله، إذا أمر بما أمر به ونهى عما نهى عنه، فكان مبلغًا محضًا ومخبرًا، لا منشئًا ومؤسسًا، فمن أنشأ أقوالًا وأسس قواعد، بحسب فهمه وتأويله، لم يجب على الأمة اتباعها ولا التحاكم إليها، حتى تعرض على ما جاء به، فإن طابقته ووافقته وشهد لها بالصحة، قبلت حينئذ، وإن خالفته وجب ردها واطراحها، وإن لم يتبين فيها أحد الأمرين، جعلت موقوفة، وكان أحسن أحوالها أن يجوز الحكم والإفتاء بها، وأما أنه يجب ويتعين، فكَلاّ. انتهى. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}.
إذن لابد أن نستقبل الإيمان بالإقبال على كل ما جاء به رسول الله، فساعة حكّم المنافقون غيره برغم إعلانهم للإسلام جاء الحكم بخروجهم من دائرة الإيمان، وعلى المؤمنين أن يتعظوا بذلك.
ونلحظ في قول الحق: {فَلاَ وَرَبِّكَ} وجود لا نافية، وأنه سبحانه أقسم بقوله: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ}، ونعلم أن المنافقين قد ذهبوا فحكَّموا غير رسول الله، مع أنهم شاهدون بأنه رسول الله فكيف يشهدون أنه رسول الله، ثم يحكمون غيره ولا يرضون بقضائه؟ وتلك قضية يحكم الحق فيها فيقول: لا. هذه لا تكون أبدًا. إذن فلا النافية جاءت هنا لتنفي إيمانهم وشهادتهم أنه رسول الله؛ لأنهم حكَّموا غيره. فإذا ثبت أنهم شهدوا أنه رسول الله ثم ذهبوا لغيره ليقضي بينهم إذا حدث هذا. فحكمنا في القضية هو: لا يكون لهم أبدًا شرف شهادة أنه رسول الله.
وبعد ذلك أقسم الحق فقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ونحن الخلق لا نقسم إلا بالله، لكنه سبحانه له أن يقسم بما شاء على ما يشاء، يقسم بالمادة الجبلية: {وَالطُّورِ} [الطور: 1].
ويقسم بالذاريات: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات: 1].
والذاريات هي الرياح، ويقسم بالنبات: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1].
ويقسم بالملائكة: {وَالصَّافَّاتِ صَفَّا} [الصافات: 1].